جاري التحميل الآن
×

«حين لا يملك الأب إلا الصمت

«حين لا يملك الأب إلا الصمت

«حين لا يملك الأب إلا الصمت

بقلم رجل الأعمال تركي بن فهد الثنيان

إلى أبي فهد…

إلى الذي علّمني أن الصمت حين يشتد المعنى يصبح حكمة،
وأن الهدوء ليس غيابًا، بل حضور يُسمع بالقلب.
حين لا يملك الأب إلا الصمت

في حياة كل ابن أب صامت كان يقول كل شيء دون أن يتكلم.

عند أبي فهد،
تعلمنا أن الحياة لا تبوح بكل أسرارها للمتحدثين،
وأن المعاني العظيمة تحتاج سكونًا كي تُفهم،
وأن بعض الصمت ليس عزوفًا… بل وعيًا يفوق القول.
كان أبي يحيا بتوازن نادر،
يمتلك من الحلم ما يطفئ الغضب،
ومن الصبر ما يخفي التعب،
ومن الكرم ما يربي على الحياء قبل العطاء.

وكان رغم هدوئه هيبة تمشي بلا صوت،
يشار إليه بالبرّ والوقار،
يحسن الظن، ويصفح، ويقابل الجفوة بالإحسان.
يجمع بين طيبة البادية ورصانة الحاضرة،
وحيثما جلس، كان السكون يهابه والاحترام يسبقه.
كان عظيمًا في سكوته،
رقيقًا في شدته،
يحمل أثقال الأيام بابتسامة تشبه الرضا.
لم يكن يطلب شكرًا، ولا ينتظر فهمًا،
يعمل في صمت لأن الصمت عند الكبار فعل مروءة لا ضعف.
وكم ظلمناه حين ظننا أن سكونه جفاء،
وأن هدوءه بعد،
ولم نكن ندرك أن الأب أحيانًا يختار البعد ليحمي أبناءه من صراعاته،
وأن حفظ ماء الوجه ليس كبرياءً، بل كرامة للود نفسه.
كبرنا يا أبي،
وفهمناك بعد أن تعبت،
وعرفنا أن بعض الفهم لا يأتي إلا متأخرًا،
ليت من كان يهمس لنا من بعيد لندرك،
أن ما كنا نراه هدوءًا كان مدرسة،
وأن ما ظنناه بعدًا كان حنانًا على هيئة صبر.
كنت بارًا بوالديك، عظيم القدر بين أهلك ومجتمعك،
رضي النفس، سمح القلب، رفيع الخُلق،
وحسبك أنك كنت بارًا بمن حولك… فبقي البرّ فينا من بعدك،
وما كنت أنا إلا بعض أثر هذا البرّ الممتد.
واليوم، حين أرى أبنائي،
أبتسم كما كنت تبتسم،
وأصمت كما كنت تصمت،
وأدع الله أن يجعل في صمتي ما كان في صمتك من حكمة ورحمة وستر.

اللهم احفظه،
وأطل في عمره بصحة وعافية وسكينة،
واجعل صمته صدقة جارية فينا،
واجعل بره الممتد في أبنائه وأحفاده عملًا لا ينقطع.

اللهم لا تحرمني بره
واجعلني امتدادًا لصفحه وصمته الجميل.

فأمثاله لا ينسون،
لأنهم لم يعيشوا ليرى أثرهم في يوم واحد،
بل عاشوا ليظل أثرهم حياة كاملة لمن بعدهم،
ويبقوا في الذاكرة كما يبقى النور في القلب؛ لا يُرى، لكنه يهدي الطريق.

ليس كل صمت غيابًا… فبعض الصمت تربية تمتد لعمر كامل.

إرسال التعليق

ربما تكون قد فاتتك